قصة بلال بن رباح رضي الله عنه
بلال بن رباح الحبشي ، هذا الرجل شديد السمرة ، النحيف الناحل ، المفرط الطول الكث الشعر ،
لم يكن يسمع كلمات المدح والثناء توجه اليه ، الا ويحني رأسه ويغض طرفه
ويقول وعبراته على وجنتيه تسيل انما أنا حبشي كنت بالأمس عبدا ) ذهب يوما -رضي الله عنه-
يخطب لنفسه ولأخيه زوجتين فقال لأبيهما أنا بلال وهذا أخي ، عبدان من الحبشة ،
كنا ضالين فهدانا الله ، وكنا عبدين فأعتقنا الله ، إن تزوجونا فالحمد لله ، وإن تمنعونا فالله أكبر )
نسبه واسلامه
انه حبشي من أمة سوداء ، عبدا لأناس من بني جمح بمكة ، حيث كانت أمه احدى امائهم وجواريهم
ولقد بدأت أنباء محمد تنادي سمعه ، حين أخذ الناس في مكة يتناقلوها ، وحين كان يصغي
الى أحاديث سادته وأضيافهم ،وذات يوم يبصر بلال نور الله ، ويسمع في أعماق روحه الخيرة رنينه ،
فيذهب الى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ويسلم ولا يلبث خبر اسلامه أن يذيع ،
وتدور الأرض برءوس أسياده من بني جمح ،وتجثم شياطين الأرض فوق صدر أمية بن خلف
الذي رأى في اسلام عبد من عبدانهم لطمة جللتهم بالخزي والعار ،
ويقول أمية لنفسه ان شمس هذا اليوم لن تغرب الا ويغرب معها اسلام هذا العبد الآبق )
العذاب و الحرية
لقد كانوا يخرجون به في الظهيرة التي تتحول الصحراء فيها الى جهنم قاتلة ،
فيطرحونه على حصاها الملتهب وهو عريان ، ثم يأتون بحجر متسعر كالحميم
ينقله من مكانه بضعة رجال ويلقون به فوقه ، ويصيح به جلادوه اذكر اللات والعزى )
فيجيبهم أحد أحد )
واذا حان الأصيل أقاموه ، وجعلوا في عنقه حبلا ، ثم أمروا صبيانهم أن يطوفوا به جبال مكة وطرقها ،
وبلال -رضي الله عنه- لا يقول سوى (أحد أحد ) ويذهب اليهم أبوبكر الصديق
وهم يعذبونه ، ويصيح بهم : ( أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله ؟ ؟ )
ثم يصيح في أمية خذ أكثر من ثمنه واتركه حرا ) وباعوه لأبي بكر الذي حرره من فوره ،
وأصبح بلال من الرجال الأحرار
غزوة بدر
و بعد هجرة الرسول -صلى الله عليه وسلم- والمسلمين الى المدينة ،يشرع الرسول للصلاة آذانها
ويختار بلال -رضي الله عنه- ليكون أول مؤذن للاسلام ، وينشب القتال بين المسلمين وجيش قريش
وبلال هناك يصول ويجول في أول غزوة يخوضها الاسلام ، غزوة بدر ،
تلك الغزوة التي أمر الرسول -صلى الله عليه وسلم- أن يكون شعارها ( أحد أحد )
وبينما المعركة تقترب من نهايتها ، لمح أمية بن خلف ( عبد الرحمن بن عوف )
صاحب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فاحتمى به وطلب اليه أن يكون أسيره رجاء
أن يخلص بحياته فلمحه بلال فصاح قائلا رأس الكفر ، أمية بن خلف لا نجوت أن نجا )
ورفع سيفه ليقطف الرأس الذي طالما أثقله الغرور والكبر فصاح به عبدالرحمن بن عوف :
( أي بلال انه أسيري ) ورأى بلال أنه لن يقدر وحده على اقتحام حمى أخيه في الدين
فصاح بأعلى صوته في المسلمين يا أنصار الله ، رأس الكفر أمية بن خلف لا نجوت أن نجا )
وأقبلت كوكبة من المسلمين وأحاطت بأمية وابنه ، ولم يستطع عبد الرحمن بن عوف أن يصنع شيئا ،
وألقى بلال على جثمان أمية الذي هوى تحت السيوف نظرة طويلة ثم هرول عنه مسرعا وصوته يصيح :
( أحد أحد )
يوم الفتح
وعاش بلال مع الرسـول -صلى اللـه عليه وسلم- يشهد معه المشاهـد كلها ،
وكان يزداد قربا من قلب الرسـول الذي وصفه بأنه ( رجل من أهل الجنة ) وجاء فتح مكة ،
ودخل الرسول -صلى الله عليه وسلم- الكعبة ومعه بلال ، فأمره أن يؤذن ،
ويؤذن بلال فيا لروعة الزمان والمكان والمناسبة
بلال من المرابطين
وذهب الرسول -صلى الله عليه وسلم- الى الرفيق الأعلى ، ونهض بأمر المسلمين من بعده أبوبكر الصديق ،
وذهب بلال الى الخليفة يقول له :
( يا خليفة رسول الله ، اني سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول : أفضل عمل المؤمن
الجهاد في سبيل الله ) قال له أبو بكر : ( فما تشاء يا بلال ؟)
قال أردت أن أرابط في سبيل الله حتى أموت ) قال أبو بكر ومن يؤذن لنا ؟؟)
قال بلال وعيناه تفيضان من الدمع اني لا أؤذن لأحد بعد رسول الله )
قال أبو بكر بل ابق وأذن لنا يا بلال )
قال بلال ان كنت قد أعتقتني لأكون لك فليكن ما تريد ، وان كنت أعتقتني لله فدعني وما أعتقتني له )
قال أبو بكر بل أعتقتك لله يا بلال ) .
ويختلف الرواة في أنه سافر الى الشام حيث بقي مرابطا ومجاهدا ،
ويروي بعضهم أنه قبل رجاء أبي بكر وبقي في المدينة فلما قبض وولى الخلافة عمر ،
استأذنه وخرج الى الشام
الآذان الأخير
وكان آخر آذان له ،أيام زار الشام أمير المؤمنين عمر-رضي الله عنه- وتوسل المسلمون اليه أن يحمل بلالاً
على أن يؤذن لهم صلاة واحدة ، ودعا أمير المؤمنين بلالاً ، وقد حان وقت الصلاة ورجاه
أن يؤذن لها ، وصعد بلال وأذن فبكى الصحابة الذين كانوا أدركوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-
وبلال يؤذن ، بكوا كما لم يبكوا من قبل أبدا ، وكان عمر أشدهم بكاء .
وفاته
ومات بلال في الشام مرابطا في سبيل الله كما أراد ورفاته تحت ثرى دمشق
رضي الله عن صحابة رسول الله و أرضاهم